الأربعاء، 13 أغسطس 2014

الشرعية الدولية.. بين قانون القوة وقوة القانون






الشرعية الدولية.. بين قانون القوة وقوة القانون
ناديا هاشم العالول


ما اكثر ما تُنتهك حقوق الإنسان وتُذبح عبر التناقضات المستمرة بين «القول» و»الفعل».. وبخاصة فيما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من كانون الأول عام 1948 ليكون بمثابة كابح يوقف أطماع النفس الإنسانية الجامحة التي تتجاوز قسوتها حدود العقل والمنطق، وللأسف لم يترك هذا الإعلان أية بصمة تذكر في ظل تألق شريعة الغاب وتراجع كل بادرة خير إنسانية نرتجيها من عدالة دولية لا هم لها سوى التملق والمحاباة لقانون القوَة لخدمة لمصالحها..
ترى هل ستكفل المواثيق الدولية وحقوقها العالمية زرع بذور السلام في الفكر والسلوك الإنساني ؟ نشك في ذلك فالسلام ينبع من «داخل» النفس قبل «خارجها».. هذا الداخل الذي تقعّر إناء قناعاته لحد كبير حتى لم يعد بوسعه الإمتلاء مطالبا دوما بالمزيد على حساب الإنسان ومستقبل إنسانيته عبر التناقضات المستمرة بين «القول» و»الفعل».. ولعل خير دليل على ذلك هو الأحمر القاني الجاري على تراب غزة دونما اي اعتبار لحقوق الإنسان في حدودها الدنيا..
فمثلا في «المادة الأولى» من الإعلان: «يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء».. فنتساءل في ظل هذا التنظير المأثور لحق أبدي مهضوم للشعب الفلسطيني في كرامته.. هل هنالك اية ذرة للكرامة الإنسانية في شريعة يتجلى فيها مبدأ القوة على حساب قوة القانون عبر إحتلال وحصار وتعنيف مستمر ؟!
مذكرين بالمادة الثالثة عشرة:
«(1) لكل فرد حرية التنقل وإختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة».
«(2) يحق لكل فرد ان يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه»!
وكل هذا جميل ورائع في حالة تطبيق هذا الحق عبر قانون قوي غير متخاذل..
أية حرية هذه التي يتكلمون عنها في ظل «الحواجز» و»الجدار العازل» ناهيك عن عدم إستطاعة الفلسطيني مغادرة بلده إلا بإذن وتصريح وختم وطوابع.. .الخ وقد لا يُمْنَح أبدا إذن المغادرة.. إضافة لعدم إستطاعته العودة الى مسقط رأسه، فمنذ 1967 تعذّر على الكثيرين العودة للضفة الغربية ممن لم يشملهم الإحصاء الإسرائيلي، بالإضافة لرفض اسرائيل الدائم لقرار 194 المطالب بعودة لاجئي ال 1948.. الخ من قرارات واهية متخاذلة تحت وطأة القوة!
ولم تتوقف حدود التجاوزات هذه بل تعدّتها إلى محاولة استئصال هذا الشعب من جذوره بعد ان طال صموده، فلجأ الفلسطيني للمنفذ الأخير المتمثل بالمقاومة من اجل مقاومة الانقراض.. فالمقاومة هي حق تاريخي للشعوب لا مجال للتشكيك فيه..
وكيف لا وإسرائيل تلتزم «قولا» بحماية المدنيين الفلسطينيين بصفتها السلطة القائمة بالإحتلال في ظل» تطبيق عكسي» مستمر لا يستطيع أي إعلان عالمي لحقوق الإنسان ولا الإتفاقيات ولا القرارات الدولية كبح جماحه، وإذا اعتبرنا أن إسرائيل لم تطبق (40) قراراً لمجلس الأمن وأكثر من (600) قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة فهذا يؤكد أن القانون يُطبَّق على الضعيف فقط، في ظل عدالة دولية متراجعة، فتحت المجال واسعا للبطش والظلم بأن يتالقا كثيرا من خلال قانون القوة، وليس من قوة القانون !
عدالة دولية المفروض انها التي سطَرت بنود عدالتها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. ومما زاد الطين بلة أنها سرعان ما اختلقت قصة واهية ذات معايير وهمية من أجل خلط مفهوم المقاومة ب الأرهاب» كي تضيع طاسة التجاوزات الإسرائلية مساوية بغطرسة قانونية واضحة، الضحية بالجلاد..
وحتى نضع النقاط على الحروف فلنتمعن باللغة الفاصلة بين الرهبة :الخوف.. والمقاومة.. من قاوم الشيء.. رفضه.. (ضاده) مثل مقاومة العدو.. تحداه.. مثل قاوم الجوع.. قاوم العطش.. قاوم الفقر.. قاوم البطالة.. قاوم الضعف.. قاوم الأمواج.. قاوم الأحتلال.. الخ من مواقع مختلفة لهذه الكلمة التي تتطلب الكثير من الصبر والتحمل والوعي والوقاية والاستعداد لمقاومة كافة الأمراض والآفات الصحية والجوية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية كلها بمجموعها تؤسس لبيئة ثقافية معينة بسلوكيات تطبق على ارض الواقع اجتهاداتها في هذا المجال.. استعمالات شتى وعناصر متعدد ة لا بد من توفرها في الأفراد والجماعات ممن يقاومون أيا من المخاطر المذكورة اعلاه وغير المذكورة..
واما الإرهاب.. فإرهاب الآخرين باستعمال القوة والبطش من قًبل جماعات لا تحتكم الى عرف وقانون.. ولا الى مواثيق.. وإنما الى حكمها الخاص لتحقق مكاسب على حساب إنسانية الآخرين هو إرهاب سافر يدعمه قانون جائر.. وهو مرفوض مرفوض.. فالقتل والبطش الذي يطال أبناء غزة من قبل قوة غاشمة لا تفرّق بين عسكري ومدني مستهدفة بقصد واضح الأبرياء هو الغبن بعينه، والمتستر دوما خلف قانون القوة.. على حساب قوة القانون.. علما بأن الفرق بينهما بينهما كبير.. كبير، فشتان ما بين المقاومة والأرهاب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق